أطفال في سجون الزمن.. حقوق مسلوبة وبراءة مفقودة بسبب مرض «الشيخوخة المبكرة»

أطفال في سجون الزمن.. حقوق مسلوبة وبراءة مفقودة بسبب مرض «الشيخوخة المبكرة»

في عالم يتسارع فيه التقدم الطبي، تظل الشيخوخة المبكرة أو متلازمة هاتشينسون-جيلفورد تحديًا مؤلمًا ونادرًا يسرق من الأطفال براءتهم ويضعهم في مواجهة الشيخوخة قبل أوانها، قصة سامي باسو، الذي تجاوز التوقعات وعاش بروح ملهمة، تسلط الضوء على قوة الأمل والحاجة المستمرة للدعم والبحث.

مرض الشيخوخة المبكرة أو ما يُعرف بمتلازمة هاتشينسون-جيلفورد (Hutchinson-Gilford Progeria Syndrome) هو اضطراب وراثي نادر يسبب تسارعًا ملحوظًا في عملية الشيخوخة عند الأطفال. 

أمراض نادرة

ويُعتبر هذا المرض واحدًا من أكثر الأمراض النادرة والمدمرة، إذ تظهر أعراضه في سنوات الطفولة المبكرة، وتتسبب في تقصير حياة المصابين به بشكل كبير حيث يعاني المصابون بهذا المرض من علامات الشيخوخة التي تشمل فقدان الشعر، وتجعد الجلد، وضعف العظام، وأمراض القلب، ما يؤدي في النهاية إلى الوفاة في سن مبكرة، غالبًا بسبب مضاعفات أمراض القلب والسكتات الدماغية. 

وقد أُعلن في أكتوبر 2024 وفاة سامي باسو، الذي يعتبر الأطول عمرًا من بين المصابين بمتلازمة الشيخوخة المبكرة، عن عمر يناهز 28 عامًا، سامي باسو وُلِد في عام 1995 في شمال إيطاليا، وتم تشخيص حالته بالمرض عندما كان في الثانية من عمره. 

عاش سامي حياة استثنائية تجاوز فيها التوقعات العمرية للمرض، التي تُقدر بمتوسط عمر لا يتجاوز 13.5 عام، مما جعله رمزًا للتحدي والأمل بالنسبة للمصابين وأسرهم، في عام 2005، أسس سامي مع والديه الرابطة الإيطالية للمصابين بالشيخوخة المبكرة، وساهموا في رفع مستوى الوعي حول هذا المرض النادر. 

اشتهر سامي بعد إذاعة فيلم وثائقي على قناة ناشيونال جيوغرافيك يروي رحلته مع والديه وأصدقائه عبر الولايات المتحدة، في تجربة مؤثرة ألهمت الكثيرين. 

وقالت الرابطة على صفحتها على إنستغرام عقب وفاته: "اليوم رحل نورنا ومرشدنا، شكرًا لك سامي لجعلنا جزءًا من هذه الحياة الرائعة".

وعلى الرغم من أن هذا المرض النادر يصيب واحدًا من كل 20 مليون شخص على مستوى العالم، وفقًا للرابطة الإيطالية لمرضى الشيخوخة المبكرة، فإن عدد الحالات المسجلة رسميًا لا يتجاوز 130 حالة معروفة عالميًا، منها أربع حالات في إيطاليا، ومع ذلك، يُقدر الباحثون أن العدد الحقيقي للمصابين قد يصل إلى 350 حالة، وذلك نظرًا لصعوبة التشخيص وتحديد الحالات في بعض الدول النامية حيث قد لا تتوفر البنية الصحية أو الوعي الكافي بتفاصيل هذا المرض.

التحديات الصحية والنفسية

تُظهر الأرقام المعاناة الكبيرة التي يمر بها المصابون بمتلازمة هاتشينسون-جيلفورد، فهم يعيشون حياة مليئة بالتحديات الصحية والنفسية. 

يصاب الأطفال بالشيخوخة المبكرة بسبب طفرة جينية تؤدي إلى إنتاج بروتين "بروجيرين" (progerin) المعيب، الذي يتراكم داخل الخلايا ويدمر بنيتها ويعجل بعملية الشيخوخة. 

ومن المثير للقلق أن هؤلاء الأطفال لا يتجاوز متوسط أعمارهم 13 إلى 14 عامًا، مما يعني أنهم يواجهون معاناة الشيخوخة في طفولتهم الباكرة، فيما تكون العلاجات المتاحة حاليًا محدودة جدًا في تخفيف الأعراض أو إبطاء تقدم المرض.

وبالنظر إلى الطبيعة النادرة لهذه المتلازمة، فإن البحث العلمي حولها كان محدودًا لفترة طويلة. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة بعض التطورات في مجال الأبحاث، حيث بدأت مؤسسات دولية، مثل مؤسسة أبحاث الشيخوخة المبكرة (Progeria Research Foundation)، في دعم الأبحاث التي تركز على فهم آلية المرض وتطوير علاجات جديدة. 

في عام 2020، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على أول علاج لهذا المرض النادر، وهو عقار "لونافارنيب" (Lonafarnib)، الذي أظهر قدرته على إبطاء تقدم المرض وتقليل بعض المضاعفات، مما منح الأمل للكثير من الأسر.

ورغم ذلك، لا يزال الأمل الحقيقي في توفير علاج شامل بعيد المنال، حيث لا يعمل لونافارنيب على عكس تأثيرات الشيخوخة أو تقديم علاج نهائي، بل يهدف إلى تحسين نوعية الحياة وزيادة العمر المتوقع للمصابين.

 تحديات الدول النامية

تشير بعض الدراسات إلى أن استخدام هذا الدواء قد يساعد في تمديد عمر المصابين بمتوسط يصل إلى عامين أو ثلاثة أعوام إضافية، لكن هذا لا يزال بعيدًا عن الحلول الشاملة التي يأملها المرضى وأسرهم.

ويُعد نقص الوعي بشأن هذا المرض، خاصة في الدول النامية، من أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات الطبية والمؤسسات الحقوقية، ففي الدول التي تفتقر إلى البنية الصحية المناسبة، قد لا يُشخص الأطفال المصابون بالمرض بشكل صحيح، مما يحرمهم من فرصة الحصول على الرعاية المناسبة أو المشاركة في التجارب السريرية.

رصد الحالات وتسجيلها يظل من الأمور المعقدة، حيث تشير التقديرات إلى أن الكثير من الأطفال المصابين بالشيخوخة المبكرة قد لا يتم التعرف عليهم بسبب قلة المعرفة الطبية أو نقص البنية التحتية.

وعلى مستوى حقوق الإنسان، يمكن اعتبار التعامل مع هذا المرض من زاوية الرعاية الصحية للأطفال تحديًا إنسانيًا وأخلاقيًا كبيرًا؛ فالمصابون بالشيخوخة المبكرة وأسرهم يحتاجون إلى دعم خاص وشامل من النظام الصحي والمجتمع ككل.

وفي هذا السياق، تُعد حملات التوعية التي تقودها منظمات مثل "الرابطة الإيطالية لمرضى الشيخوخة المبكرة" و"مؤسسة أبحاث الشيخوخة المبكرة" بالغة الأهمية، وتسعى هذه المنظمات ليس فقط لجمع الأموال للبحث العلمي، ولكن أيضًا لتقديم الدعم النفسي والمعنوي للأسر، وتوفير المنصات التي يمكن من خلالها مشاركة قصص المصابين وتسليط الضوء على معاناتهم.

من منظور عالمي، تعتبر هذه المتلازمة جزءًا من مجموعة الأمراض النادرة التي تعاني من نقص التمويل والبحث، مقارنة بالأمراض الأخرى ذات الانتشار الواسع. 

وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن الأمراض النادرة تمثل تحديًا كبيرًا في توفير الرعاية الصحية الشاملة، وغالبًا ما تكون تكاليف علاج هذه الأمراض باهظة، نظرًا لتعقيداتها وعدم توفر العلاجات الفعالة، في ظل هذه الظروف، تلعب الجهود الدولية دورًا حاسمًا في تحسين نوعية الحياة للمصابين.

وعلى الرغم من محدودية البيانات المتعلقة بتكاليف علاج الشيخوخة المبكرة، تشير بعض التقارير إلى أن العائلات قد تضطر لإنفاق مبالغ طائلة على الرعاية الطبية والمتابعة المستمرة للأعراض، بما في ذلك زيارات الأطباء المتخصصين، والعلاجات الدوائية، والنفقات المرتبطة بالمعدات الطبية. وفي بعض الحالات، تُقدم بعض الدول المتقدمة دعمًا ماليًا للأسر التي تواجه تحديات في علاج أطفالها المصابين بالأمراض النادرة، لكن هذا الدعم يظل محدودًا وغير كافٍ في العديد من الدول النامية.

النضال من أجل تحسين حياة المصابين بالشيخوخة المبكرة لا يقتصر فقط على الجانب الطبي أو التكنولوجي، بل يتطلب جهودًا متضافرة من الحكومات، والمؤسسات الصحية، والمنظمات الحقوقية، والمجتمع ككل، ويشكل هذا المرض تحديًا متعدد الأبعاد، حيث يتطلب حلولًا قائمة على البحث العلمي المتقدم، والتشريعات الصحية الملائمة، والتوعية المجتمعية. 

في نهاية المطاف، تمثل وفاة سامي باسو تذكيرًا قويًا بحجم التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في التعامل مع الأمراض النادرة مثل الشيخوخة المبكرة، ورغم التطورات الكبيرة في البحث العلمي، تظل الكثير من الأسئلة بلا إجابة، والكثير من الأطفال يعانون بصمت. 

 أشهر المصابين بالشيخوخة المبكرة

عبر التاريخ، عانت العديد من الشخصيات من هذه الحالة النادرة، تاركة خلفها قصصًا إنسانية مؤثرة.

هنا نستعرض أشهر الشخصيات التي أصيبت بالشيخوخة المبكرة، مرتبة من الأحدث إلى الأقدم.

نبدأ مع آشلي هالدين، فتاة بريطانية وُلدت عام 1997 وشُخصت بحالة الشيخوخة المبكرة وهي في عمر ثلاثة أشهر، خلال حياتها القصيرة التي انتهت عام 2016 عن عمر يناهز 19 عامًا، كانت آشلي رمزًا للكفاح ضد هذا المرض. 

رغم حياتها القصيرة، عملت على زيادة الوعي بالمرض من خلال وسائل الإعلام والمقابلات التلفزيونية، كانت هالدين تعاني من تسارع في تدهور صحتها الجسدية، حيث ظهرت عليها أعراض مثل تساقط الشعر وظهور التجاعيد وفقدان العظام بسرعة غير طبيعية، مما جعلها تبدو وكأنها امرأة في الثمانين من عمرها بينما كانت لا تزال مراهقة.

في عام 2005، وُلدت "هايلي أوكينيس"، طفلة بريطانية أخرى شُخصت بالشيخوخة المبكرة، وقضت حياتها في محاولات للتغلب على مصاعب المرض، هايلي كانت معروفة بابتسامتها وعزيمتها القوية، وقد ألهمت الكثيرين عبر نشر كتب ومقابلات وثائقية حول رحلتها. للأسف، رحلت عن عالمنا في عام 2015 عن عمر يناهز 17 عامًا، بعد أن بدت كأنها في الثمانينيات بسبب تسارع أعراض الشيخوخة.

وفي السياق، ننتقل إلى سام بيرنس، الذي وُلد في الولايات المتحدة عام 1996، وكان أحد أبرز الوجوه في مجال التوعية بالشيخوخة المبكرة، قام سام بنشر العديد من الرسائل الإيجابية حول تقبل الذات والحياة رغم المرض، أصبح سام شخصية عامة بعد ظهوره في فيلم وثائقي بعنوان "الحياة وفقًا لسام"، والذي ألقى الضوء على رحلته ومعاناته مع المرض. توفي سام عام 2014 عن عمر 17 عامًا، لكن رسالته لا تزال حية بيننا.

بالعودة إلى الوراء، في عام 2003 وُلدت "ميغان وولف"، طفلة أمريكية أخرى شُخصت بحالة بروجيريا، ميغان كانت تعاني من أعراض تقليدية مثل ترقق الجلد وفقدان الشعر وظهور التجاعيد في سن مبكرة للغاية، عاشت حتى عام 2012 عندما وافتها المنية عن عمر 9 سنوات.

من بين الحالات المؤثرة الأخرى، وُلد ميكايلا "كايل" بروكس في عام 1999، وكان يعاني من متلازمة الشيخوخة المبكرة، عاش ميكايلا حتى عام 2009، وقد كان خلال حياته طفلًا ذكيًا ومحبًا للموسيقى، لكنه لم يستطع الهروب من المصاعب التي يفرضها المرض على جسده.

في عام 1996، وُلد "سيث كوك"، وهو واحد من أشهر الشخصيات التي عانت من بروجيريا في الولايات المتحدة، توفي سيث في عام 2012، عن عمر 16 عامًا، بعد أن ألهم الكثيرين بروحه المفعمة بالحياة واهتمامه بزيادة التوعية حول المرض.

أما في القرن العشرين، فكان هناك "ليزا شوايتزر" التي وُلدت في ألمانيا عام 1984، ليزا عانت من الشيخوخة المبكرة أيضًا، لكنها تجاوزت التوقعات وعاشت حتى سن 15 عامًا، وهو إنجاز طبي بالنظر إلى تدهور حالتها الصحية المتسارع.

نعود إلى فترة الثمانينيات، حيث وُلدت ميشيل مورغان عام 1982 في كندا، والتي عاشت حتى سن الـ11 عامًا قبل أن ينهكها المرض، على الرغم من أنها كانت تبدو كأنها في السبعينات في أواخر حياتها، فإن ميشيل أظهرت شجاعة كبيرة في مواجهة المرض، وكانت من أوائل الحالات التي تم توثيقها بشكل موسع.

في السبعينيات، وتحديدًا عام 1972، وُلدت زوي بارنارد في المملكة المتحدة، وكانت واحدة من أولى الحالات التي شُخصت بمتلازمة بروجيريا في أوروبا. زوي عاشت حتى سن الـ13 عامًا، حيث أثار رحيلها المبكر تساؤلات كبيرة حول طبيعة هذا المرض وأسبابه.

التحدي الإنساني والالتزام الدولي

وقال خبير حقوق الإنسان البحريني علي بن زايد، إن مرض الشيخوخة المبكرة يمثل تحديًا كبيرًا على مستوى حقوق الإنسان، حيث يثير قضايا أساسية تتعلق بحقوق الأطفال المصابين في الحصول على رعاية صحية ملائمة، والتمتع بكرامة إنسانية، والاندماج في المجتمع، على الرغم من ندرة المرض الشديدة، فهو يكشف عن الثغرات الموجودة في الأنظمة الصحية والتعليمية والاجتماعية التي غالبًا ما تكون غير مهيأة للتعامل مع أمراض نادرة ومعقدة كهذه، وهنا لا يمكن فصل الحق في الصحة عن الحق في الحياة الكريمة.

وأضاف في تصريحاته لـ"جسور بوست": الحق في الصحة يُعد إحدى الركائز الأساسية التي تؤكدها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالنسبة للأطفال المصابين بالشيخوخة المبكرة، يجب أن يكون الوصول إلى الرعاية الصحية المناسبة جزءًا لا يتجزأ من التزامات الدول تجاه مواطنيها، بغض النظر عن ندرة المرض أو تكلفته العلاجية، ومع ذلك تعاني العديد من الدول من نقص في البنية التحتية الطبية والتخصصات اللازمة للتعامل مع الأمراض النادرة مثل بروجيريا، مما يضع عبئًا إضافيًا على أسر المرضى.

وأكد الخبير الحقوقي، أنه على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، واجب أخلاقي وحقوقي يتمثل في تعزيز التعاون بين الدول وتبادل الخبرات والموارد لضمان توفير الرعاية الصحية المتقدمة والمتخصصة لهؤلاء الأطفال، كما أن الأبحاث الطبية والعلاجات التجريبية التي تهدف إلى تحسين حياة المصابين يجب أن تُمول وتُدعم بشكل أكبر من خلال الجهود الجماعية الدولية، مشددا على أن حق هؤلاء الأطفال في الاستفادة من التطورات الطبية الحديثة لا يقل أهمية عن حقوق الآخرين، بل قد يكون أكثر إلحاحًا نظرًا لقصر متوسط العمر المتوقع لديهم.

وتابع: إضافة إلى الحق في الصحة، فإن الحق في التعليم والتكامل الاجتماعي يعتبران من الحقوق الأساسية للأطفال المصابين ببروجيريا، يعاني هؤلاء الأطفال من تحديات جسدية كبيرة قد تعوق اندماجهم في المجتمع أو قدرتهم على التمتع بحقوقهم التعليمية بشكل كامل.. يتطلب الأمر من الدول تصميم برامج تعليمية تراعي احتياجات هؤلاء الأطفال وتوفر لهم بيئة تعليمية داعمة وشاملة، ومن المهم ألّا يُعاملوا على أنهم "مختلفون" أو "مستثنون" بسبب مظاهرهم الجسدية أو قيودهم الصحية.

وعن التمييز ضد الأطفال المصابين ببروجيريا قال: هو انتهاك صارخ لحقوق الإنسان، ولا يجب التسامح مع أي شكل من أشكال التهميش أو الوصم الاجتماعي، فالتوعية المجتمعية حول المرض وظروف المصابين به تسهم في تعزيز حقوقهم وحمايتهم من التمييز، وعلى الحكومات والمجتمعات المدنية العمل معًا لخلق بيئات تشمل الجميع، تتيح للمصابين بروجيريا التمتع بحياة طبيعية بقدر الإمكان، بما في ذلك حقوقهم في اللعب، والتعليم، والمشاركة في الأنشطة المجتمعية.

واستطرد: من جانب آخر، يتعين النظر إلى حقوق أسر الأطفال المصابين ببروجيريا، حيث تتحمل الأسر عادةً أعباء مالية وعاطفية هائلة في رعاية أطفالهم، ما يستدعي توفير دعم حكومي ومجتمعي لها، ونفسي واجتماعي، إضافة إلى الدعم المالي، ويجب أن تكون من ضمن أولويات الدول لضمان تقديم أفضل رعاية ممكنة للأطفال المصابين.

وأتم: مرض الشيخوخة المبكرة هو حالة إنسانية تتطلب استجابة شاملة من المجتمع الدولي، تجمع بين توفير الرعاية الصحية المتخصصة، والدعم النفسي والاجتماعي، ومكافحة التمييز، ويجب ألا يكون حق هؤلاء الأطفال في التمتع بحياة كريمة أمرًا قابلًا للتفاوض أو مرتبطًا بمدى قدرة نظام الدولة الصحي، بل يجب أن يُنظر إليه كجزء أساسي من الالتزامات الحقوقية للدول والمجتمع الدولي ككل حماية حقوق الأطفال المصابين ببروجيريا هي واجب إنساني لا يمكن تجاهله.

حياة سريعة وصمود أمام الزمن

وبدوره، قال أستاذ الوراثة بالمركز القومي للبحوث الدكتور عادل عاشور، إن مرض الشيخوخة المبكرة، هو حالة وراثية نادرة تتسم بظهور سريع وغير طبيعي لأعراض الشيخوخة لدى الأطفال. 

ويعود السبب الأساسي لهذه الحالة إلى طفرة في جين "LMNA"، المسؤول عن إنتاج بروتين يُدعى لامين A، الذي يلعب دورًا حيويًا في دعم بنية نواة الخلية. 

وهذه الطفرة تُنتج نسخة غير طبيعية من البروتين تُعرف بـ"بروجيرين"، والتي تسهم في إضعاف استقرار النواة الخلوية، مما يؤدي إلى تسريع تدهور الخلايا وظهور أعراض الشيخوخة في مرحلة مبكرة جدًا من الحياة.

وأضاف في تصريحاته لـ"جسور بوست"، إنه من منظور علم الوراثة، تُعد بروجيريا مثالًا معقدًا لكيفية تأثير طفرة في جين واحد على جسم الإنسان بشكل شامل، في حين أن الطفرة بسيطة نسبيًا، إلا أن آثارها عميقة للغاية، حيث تُظهر على الأطفال المصابين أعراضًا مشابهة لتلك التي يعاني منها كبار السن، مثل فقدان الشعر، وتجعد الجلد، وتصلب المفاصل، وأمراض القلب والأوعية الدموية. 

موضحا أنه من المأساوي أن هؤلاء الأطفال يعيشون غالبًا حياة قصيرة، حيث يتراوح متوسط أعمارهم بين 13 و15 عامًا، مما يجعل البحث عن علاج أمرًا بالغ الأهمية، والتحدي الكبير الذي يواجه الباحثين هو فهم كيفية تأثير طفرة جينية واحدة على العديد من أنظمة الجسم المختلفة. 

ولفت أن البروتين المتحور "بروجيرين" يتراكم في الخلايا، ويعرقل وظائفها الطبيعية، ما يؤدي إلى التقدم السريع في العمر، هذا الفهم ليس مهمًا فقط لعلاج بروجيريا، بل يمتد إلى فهم أعمق لعملية الشيخوخة الطبيعية نفسها، إذ يعتقد العلماء أن هذه الأبحاث قد تفتح آفاقًا جديدة لعلاجات قد تؤخر الشيخوخة أو تعالج آثارها

وذكر أنه رغم ندرة هذا المرض، فإن دراسة بروجيريا تحمل إمكانيات علمية هائلة، فمن خلال دراسة آثار الطفرة الجينية التي تؤدي إلى تسريع الشيخوخة، يمكن للعلماء أن يفهموا بشكل أفضل الآليات الخلوية والجزيئية التي تتحكم في تقدم العمر، هذا الفهم قد يُمهد الطريق لاكتشافات طبية يمكن أن تُطبق في المستقبل لإبطاء عملية الشيخوخة الطبيعية لدى البشر.

وأشار إلى أن التعامل مع بروجيريا من الناحية الأخلاقية يمثل تحديًا خاصًا، نظرًا لأن المرض يصيب الأطفال، فإن أي تجارب أو علاجات جديدة يجب أن تأخذ في الاعتبار الحالة النفسية والجسدية لهم، فاستخدام تقنيات جديدة مثل تعديل الجينات عبر تقنية "كريسبر" أو أدوية تُثبط من تأثير البروجيرين يعطي أملًا حقيقيًا في تحسين نوعية حياة المصابين، لكنه يتطلب حذرًا ومراقبة دقيقة لضمان سلامة ورفاهية المرضى.

وأتم، تعد بروجيريا نافذة استثنائية على فهم الشيخوخة، ليس فقط كمرض، بل كعملية بيولوجية معقدة قد تكون قابلة للتحكم أو التعديل في المستقبل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية